بمناسبة اليوم الوطني السعودي
يُشكل اليوم الوطني السعودي مناسبة للاحتفاء بمسيرة المملكة العربية السعودية، وإلقاء الضوء على مكانتها كركيزة في الساحتين العربية والإسلامية والدولية. وفي هذا السياق، تكتسب العلاقات الموريتانية السعودية أهمية خاصة، إذ تجمع بين عمق تاريخي وروابط حضارية، وآفاق مستقبلية تتجلى في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع.
ترتبط موريتانيا والمملكة العربية السعودية بروابط تاريخية ضاربة في العمق، بدأت منذ عصور ما قبل الدولة الحديثة، مع سفر العلماء والأدباء والحجاج الموريتانيين إلى مكة والمدينة. وقد أسهم هؤلاء في حلقات التدريس والإفتاء ونقل العلوم الشرعية، مما رسخ صورة موريتانيا كبلد للعلماء والفقهاء. ومع استقلال موريتانيا عام 1960، كانت السعودية من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الوليدة، وأسست معها علاقات دبلوماسية رصينة، قائمة على الاحترام المتبادل والتنسيق في القضايا العربية والإسلامية.
وقد مثلت المملكة العربية السعودية دائمًا سندًا لموريتانيا في مسارها التنموي والسياسي، ووقفت إلى جانبها في المحافل الإقليمية والدولية، مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. كما أن المواقف الموريتانية الداعمة للقضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، تتقاطع مع الدور السعودي، ما يعكس وحدة الرؤية ومصلحة البلدين في الساحة الإقليمية. ويسجل في هذا السياق الدور الكبير الذي توليه القيادة السعودية الحالية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في تثبيت هذه العلاقات ودفعها إلى آفاق أرحب.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تجاوزت قيمة المشاريع والبرامج السعودية في موريتانيا منذ عام 1979 سقف 800 مليون دولار، شملت مشاريع البنية التحتية، والمياه، والصحة، والتعليم، والطاقة. ويأتي في مقدمة المشاريع الحديثة مستشفى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في نواكشوط، الذي دُشن مؤخرًا بمنحة سعودية بقيمة 70 مليون دولار، ويضم 300 سرير ويشمل أقسامًا متخصصة مثل الطوارئ، والنساء، والأطفال، والولادة، والعناية المركزة، وأمراض الكلى، إضافةً إلى دور تدريبي للكوادر الطبية. ويجسد هذا المستشفى أحدث ثمار التعاون بين البلدين، ويعكس الالتزام السعودي بدعم التنمية البشرية والصحية في موريتانيا. وعلى غرار ذلك تسعى موريتانيا إلى توسيع آفاق الشراكة الاقتصادية مع السعودية، خصوصًا في قطاعات التعدين، والثروة السمكية، والطاقة المتجددة والزراعة، بما يعزز التنمية المستدامة ويحقق منافع متبادلة.
ثقافيًا وتعليميًا، شكلت الجامعات السعودية وجهة رئيسية لمئات الطلبة الموريتانيين في التخصصات الشرعية واللغة العربية والعلوم الإسلامية، وساهموا عند عودتهم في إثراء الحقل العلمي والفكري والدعوي بموريتانيا. كما لعبت الجالية الموريتانية في السعودية أدوارًا مهمة في التدريس، والقضاء، والإمامة، والبحث العلمي، وباتت بمثابة جسر ثقافي وإنساني بين البلدين.
ويتجاوز الدور السعودي حدود التعاون الثنائي، ليشمل دعم القضايا العربية والإسلامية، والمشاركة الفاعلة في المنظمات الإقليمية والدولية. كما تعكس رؤية المملكة 2030، التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، التزام السعودية بتطوير اقتصادها داخليًا، وتعزيز نفوذها الدبلوماسي والإنساني عالميًا.
إن العلاقات الموريتانية السعودية، بما تحمله من عمق تاريخي وروابط حضارية، ليست مجرد تعاون عابر، بل هي شراكة راسخة الجذور تتجدد عبر الأجيال. ويأتي مشروع مستشفى الملك سلمان كأحدث شاهد على هذا الالتزام، في حين يظل سقف التمويلات السعودية (حوالي 800 مليون دولار منذ 1979) دليلًا على حجم العطاء الذي أغدقته المملكة على مسيرة التنمية في موريتانيا.
ومع حلول ذكرى اليوم الوطني السعودي، لا يسع الموريتانيين إلا أن يستحضروا باعتزاز هذا الرصيد الزاخر من الأخوة والتضامن، وأن يعبروا عن تقديرهم للقيادة السعودية الحكيمة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لما يبذلانه من جهود في خدمة قضايا الأمة وتعزيز التنمية والتكامل بين شعوبها.
وهكذا، ومع التحولات الإقليمية والدولية، تبدو العلاقات الموريتانية السعودية مرشحة لمزيد من التطور، لتجسد ليس فقط عمق الروابط التاريخية، بل أيضًا الأفق الحضاري الرحب الذي يجمع بين بلدين شقيقين، يتقاسمان الإيمان والمصير، ويتطلعان معًا إلى مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.
عبد الرحمن جد أمو - كاتب وباحث موريتاني