نشرت مجلة “السياسة والمجتمع الدولي IPG” الألمانية مقالاً للرأي بقلم “زيكورا إيبه Zikora Ibeh”، وهي كاتبة وباحثة في مجال التنمية والعدالة الاجتماعية، استعرضت خلاله أجواء الصراع التي باتت تخيّم على منطقة غرب إفريقيا؛ في ظل التحدي الذي تمارسه ثلاث حكومات عسكرية في مواجهة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، ومِن ثَم راحت طبول حرب تجارية تدقّ أبواب المنطقة.
وفي ظل تصميم واضح مِن قِبَل دول الساحل الثلاث على المضي قُدمًا نحو الاندماج والتكامل الاقتصادي والاستقلال الكامل عن مجموعة (إيكواس)، ستشهد الفترة القادمة المزيد من الخطوات الملموسة التي تُؤجّج الصراع لا محالة.
بقلم: زيكورا إيبه
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
منذ يوليو 2023م، يعاني التحالف، المُؤلَّف من 15 عضوًا، والذي تأسس عام 1975م، من أزمة شرعية ناجمة عن تعامله مع موجة من الانقلابات العسكرية في المنطقة. ففي الفترة بين عامي 2020 و2023م، أُطيح بحكومات مُنتخَبة في مالي (2020 و2021م)، وبوركينا فاسو (2022م)، ومؤخرًا في النيجر (2023م)، واستولت المجالس العسكرية على السلطة. وقد أدارت هذه المجالس ظهرها لحلفائها الغربيين -مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي-، وعزّزتها موجة من المشاعر المعادية للغرب في المنطقة، وقرَّرت في المقابل الانحياز إلى روسيا والصين.
ومع ذلك، لم يتفاقم السخط الكامن داخل المجتمع ليتحول إلى شقاق مفتوح إلا عقب الانقلاب الذي قاده المجلس العسكري بقيادة الجنرال “تشياني” في النيجر في يوليو 2023م. وقد أدَّى ذلك إلى تشكيل تحالف دول الساحل (AES)؛ وهو ميثاق دفاعي يضم الدول المنفصلة: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ومنذ ظهوره على مسرح غرب إفريقيا، تطوَّر تحالف دول الساحل سريعًا، ليصبح خصمًا إقليميًّا خطيرًا؛ نظرًا لأجندته الخاصة للتكامل النقدي والاقتصادي والتجاري والثقافي.
وفي نهاية يناير الماضي، أعلنت الدول الثلاث رسميًّا انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بعد انقضاء مهلة الإشعار البالغة عامًا واحدًا. وأصبح لتحالف دول الساحل الآن العَلم الخاص به وجواز سفره الخاص، كما يخطط لإنشاء بنك استثماري مستقل.
وفي نهاية مارس 2025م، فرضت رسومًا جمركية بنسبة 0.5% على جميع السلع الواردة من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وهي خطوة تُصعِّد من خطر نشوب حرب تجارية. كذلك يسري هذا الإجراء، الذي دخل حيّز التنفيذ فورًا، على جميع السلع باستثناء المساعدات الإنسانية. ويتعارض هذا الإجراء مع هدف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المتمثل في ضمان استمرار فتح الحدود وحرية حركة السلع مع الدول المُنسحبة في إطار نظام تحرير التجارة (ETLS)، وسياسة الاستثمار المشتركة.
لقد دافعت هيئة الخدمات الاقتصادية الإفريقية عن التعريفة الجمركية بذريعة حاجتها إلى الإيرادات لتمويل أنشطتها. ونظرًا للنقص المزمن في السيولة النقدية ومحدودية القدرات الإدارية، لم يكن من المستغرب أن تلجأ إلى هذا الإجراء. وكذلك تُعدّ التعريفات الجمركية على الواردات إجراءً يُحقّق عوائد أسرع من الاستثمارات طويلة الأجل في أسواق التصدير أو غيرها من المزايا النسبية. ولكن، في الوقت نفسه، قد تؤدي هذه التعريفات بوتيرة سريعة إلى وقوع كارثة. فإذا استجابت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) باتخاذها تدابير مضادة، قد يتبع ذلك تصعيد، مما يزيد من تفاقم الوضع.
قد تُعطّل التعريفات الجمركية الجديدة تدفقات التجارة وترفع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء المنطقة. ولكن، من المرجَّح أن تتأثر دول منطقة شرق إفريقيا، وهي من أفقر دول العالم، بشدة. وبصفتها دولًا غير ساحلية مطلقًا، تعتمد هذه الدول على طرق التجارة عبر الموانئ البحرية لجيرانها الجنوبيين في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وخاصةً عبر كوت ديفوار وغانا وتوجو والسنغال وبنين. وبالتالي، ترفع التعريفات الجمركية تكلفة استيراد السلع الحيوية، مثل الغذاء. فعلى سبيل المثال، تستورد النيجر الكهرباء والوقود من نيجيريا، ثالث أكبر شريك تجاري لها بعد فرنسا ومالي. وقد شهدت البلاد نقصًا متكررًا في الإمدادات مؤخرًا.
على صعيد آخر، يُفاقم تحالف دول الساحل (AES) العقبات الهيكلية واللوجستية والسياسية الضخمة التي تعيق، في الأساس، نمو التجارة البينية الإفريقية، ولا سيما تطبيق منطقة التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA). لقد دخلت هذه المنطقة حيّز التنفيذ عام 2021م، وتهدف إلى إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، تضم 1.3 مليار نسمة. إلا أنها لم تُحقّق نجاحًا يُذْكَر حتى الآن. ووفقًا لـ “مرصد بيانات التجارة”؛ فقد بلغ حجم التجارة البينية الإفريقية عام 2023م ما لا يزيد عن 192.2 مليار دولار أمريكي، وهو ما يُمثل 14.9% فقط من إجمالي التجارة الخارجية الإفريقية.
والواقع أن مستقبل غرب إفريقيا يعتمد على إمكانية إقناع دول منطقة الساحل وجنوب الصحراء بالعودة إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)؛ إذ تُمثل الدول الثلاث حوالي 17% من إجمالي سكان الجماعة البالغ 446 مليون نسمة، وأكثر من نصف مساحتها التي تزيد عن خمسة ملايين كيلو متر مربع، ونحو 8% من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد أدَّى انسحابها إلى دخول المجموعة في أعمق أزمة في تاريخها الممتد طوال خمسين عامًا.
لم تكن هذه الأزمة حتمية على الإطلاق، بل إن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا انزلقت إليها عمدًا. وبالنظر إلى جميع العوامل، يبدو الانفصال ثمنًا للتخلّي عن وَعْدها التأسيسي بالوحدة الإفريقية، ولفشلها في التعامل مع واقع الانقلاب في النيجر. وعند تأسيسها، دافعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عن التضامن، والاعتماد الجماعي على الذات، ونبذ العنف، والسلام والاستقرار في المنطقة. لكن على مر العقود، ابتعد التحالف أكثر فأكثر عن هذه المبادئ. إن الدفاع الرمزي عن الديمقراطية، مع التساهل في الوقت نفسه مع الرؤساء الاستبداديين وبقائهم طويل الأمد في السلطة؛ مثل فور “غناسينغبي” في توجو، قد أضرّ بشكل كبير بمصداقية المجموعة الأخلاقية.
يركز تحالف دول الساحل (AES)، جوهريًّا، على الحفاظ على سيادة الدول ومعاداة الإمبريالية. وبذلك، يُفاقم هذا التحالف الثلاثي أزمة شرعية (إيكواس)، ويُقدّم نفسه بديلاً موثوقًا. ولكنّ مسار الاستقطاب السياسي وحرب التعريفات الجمركية المحتملة يؤديان حتمًا إلى انهيارهما المشترك. لذلك، أصبح من المُلِحّ الآن أن تتجنب (إيكواس) الرد الانتقامي، وأن تعتمد بدلاً من ذلك على النهج الدبلوماسي لتهدئة التوترات الناجمة عن تعريفات الاستيراد التي فرضها تحالف دول الساحل كواقع جديد يتعيَّن التعامل معه.