إفريقيا واليابان: المشاركة في بناء المستقبل من خلال الشباب والابتكار والشراكة

الأفكار العامة:

– يُعقَد مؤتمر طوكيو الدولي التاسع للتنمية في إفريقيا (TICAD9) في يوكوهاما، من 20 إلى 22 أغسطس، ليُجدِّد تسليط الضوء العالمي على قارة إفريقيا بصفتها أرض الفرص والموارد.

– يُشكِّل TICAD9 منصة إستراتيجية لإعادة بناء نموذج تعاون تنموي قائم على الاحترام المتبادل، وتعزيز بيئة الابتكار وريادة الأعمال في القارة، وشراكات فعَّالة ومستدامة.

– الشباب الإفريقي محور هذه الرؤية؛ إذ من المتوقع أن يُشكّل الأفارقة ربع سكان العالم بحلول عام 2050، ما يُعزّز أهمية الاستثمار في هذه الفئة الحيوية.

– منذ بَدْء مساعداتها الإنمائية الرسمية عام 1954م، نَفَّذت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) برامج تنموية في أكثر من 190 دولة، شملت البنية التحتية، وتنمية الكفاءات، والتعاون التقني.

– يرتكز عمل JICA على مبدأ “الأمن البشري” الذي أُعِيد التأكيد عليه في ميثاق التعاون الإنمائي الياباني المُحدَّث عام 2023م، باعتباره أساسًا لكلّ تدخُّل تنمويّ.

– توسَّعت المبادرة لتشمل 32 دولة، وتهدف اليابان إلى مضاعفة الإنتاج الغذائي في إفريقيا ليبلغ 56 مليون طن بحلول عام 2030م، ما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي للقارة.

بقلم: تاناكا أكيهيكو

ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو

تحتضن مدينة يوكوهاما، في الفترة من 20 إلى 22 أغسطس المقبل، مؤتمر طوكيو الدولي التاسع للتنمية في إفريقيا (TICAD9)، في لحظةٍ فارقةٍ يشهد فيها العالم تحديات متصاعدة مثل تغيُّر المناخ، والمشكلات الجيوسياسية، واتساع الفجوة الاقتصادية.  

ويُعيد هذا المؤتمر تسليط الضوء على القارة الإفريقية كفضاء غنيّ بالتنوُّع، ويتمتّع بقدرة عالية على الصمود، وإمكانات واعدة للنمو. ويُشكِّل TICAD9 منصة محورية لإعادة رسم ملامح التعاون الإنمائي، على أساس الاحترام المتبادل، والابتكار، والشراكة الإستراتيجية، بحسب رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، تاناكا أكيهيكو.

ويقف الشباب الإفريقي في صميم هذه الرؤية؛ إذ مِن المتوقع أن يُمثّل الأفارقة ربع سكان العالم بحلول عام 2050م، ما يُشكِّل “عائدًا ديموغرافيًّا” غير مسبوق؛ إلا أنَّ تحقيق هذا العائد يتطلَّب استثمارًا مستدامًا في التعليم، والصحة، وخَلْق فرص العمل. فغياب هذه الأُسُس قد يُحوِّل الإمكانات الديموغرافية نفسها إلى عوامل تفاقم الفقر وزعزعة الاستقرار.

رؤية الوكالة اليابانية للتعاون الدولي: التنمية المحلية والأمن البشري

منذ إطلاق اليابان لمبادرة المساعدة الإنمائية الرسمية (ODA) عام 1954م، اضطلعت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) بدور محوري في دعم التنمية في أكثر من 190 دولة، من خلال تطوير البنية التحتية، وتنمية القدرات البشرية، وتعزيز التعاون التقني.

وتعتمد المساعدة الإنمائية اليابانية، بقيادة JICA، على مبدأ راسخ هو “تنمية تقودها المجتمعات المحلية”، والذي يُركِّز على تمكين السكان من ابتكار حلولهم بأنفسهم، بدلاً من فرض نماذج جاهزة من الخارج.

ويُجسِّد عمل JICA في إفريقيا هذا النَّهْج بوضوح؛ إذ أدَّى “التحالف من أجل تنمية الأرز في إفريقيا” (الذي أُطلق خلال مؤتمر TICAD4 عام 2008م)، إلى مضاعفة إنتاج الأرز في القارة خلال عقد واحد فحسب.

ويهدف هذا البرنامج، الذي توسَّع ليشمل 32 دولة، إلى مضاعفة الإنتاج مجددًا ليصل إلى 56 مليون طن بحلول عام 2030م، ما يُمهِّد الطريق لكي تُحقّق إفريقيا الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتحسين أمنها الغذائي بشكل مستدام.

ساهمت مبادرات مثل “شيب” (تشجيع البستنة لأصحاب الحيازات الصغيرة وتمكينهم)، و”كايزن” (نهج تحسين الإنتاجية المستوحى من التجربة اليابانية)؛ في تمكين المزارعين والعمال من تعزيز سبل عيشهم ورفع إنتاجيتهم، رغم محدودية الموارد. واليوم، يتولَّى مُدرّبون أفارقة قيادة هذه البرامج، ما يُعزّز توطين المعرفة ونَشْر التنمية المستدامة في مختلف أنحاء القارة.

ويُعدّ مفهوم “الأمن البشري” حجر الأساس في جميع أنشطة الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، وهو مبدأ أُعِيدَ التأكيد عليه في الميثاق المُحدَّث للتعاون الإنمائي الياباني لعام 2023م. ويقوم هذا المفهوم على ضمان أن يتمكّن كل إنسان من التحرُّر من الخوف والعَوز، وأن يعيش بكرامة.

وفي ظل عالم يعاني من أزمات متشابكة؛ مِن تغيُّر المناخ إلى النزاعات والفقر، تزداد أهمية هذا المبدأ كإطار إنساني شامل للتنمية أكثر من أيّ وقت مضى.

الابتكار وريادة الأعمال: حقبة جديدة من التعاون

الشباب الإفريقي لم يَعُد مجرد مستفيد من التنمية، بل أصبح قوة ابتكارية فاعلة. في مختلف أنحاء القارة، يُوظِّف روّاد الأعمال الشباب التقنيات الرقمية لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات المحلية وإطلاق شركات ناشئة واعدة.

واستجابةً لهذا الزخم، أطلقت وكالة JICA في عام 2020م مشروع NINJA (الابتكار القادم مع اليابان)؛ لربط الشركات الناشئة الإفريقية بالمستثمرين والخبراء اليابانيين. وفي عام 2025م، وقَّعت JICA أول اتفاق تبرُّع مع نيجيريا لدعم ريادة الأعمال المحلية، في خطوة تعكس انطلاقة جديدة للتعاون الياباني-الإفريقي في مجال الابتكار.

وخلال مؤتمر TICAD9، تستعد JICA لإطلاق مبادرة IDEA (الاستثمار في الأثر من أجل تنمية إفريقيا الناشئة)، والتي تهدف إلى تعبئة رأس المال الخاص لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمل المناخي في القارة.

وفي تطور غير مسبوق، قامت الحكومة اليابانية في أبريل 2025م بتعديل قانون وكالة JICA، بما يسمح لها بتحمُّل المخاطر المالية لتشجيع الاستثمارات الخاصة، وهو تحوُّل نوعي في نهج التعاون الإنمائي الياباني.

تبادل الشباب: بناء الثقة والمستقبل المشترك

يُشكِّل التبادل البشري حجر الأساس في الشراكة بين إفريقيا واليابان. فمنذ عام 2013م، أتاحت مبادرة ABE “تعليم الأعمال الإفريقية للشباب” الفرصة لأكثر من 1900 طالب إفريقي للدراسة في اليابان والتدرُّب داخل شركات يابانية رائدة. من بين خريجي المبادرة البارزين، تبرز “بيلونومي مويلوا” من جنوب إفريقيا، مؤسسة “Lelapa AI”، التي تُطوِّر تقنيات معالجة لغوية للغات الإفريقية منخفضة الموارد، وقد أدرجتها مجلة  “Time” ضمن قائمة “100 موهبة واعدة في الذكاء الاصطناعي” لعام 2023م.

استنادًا إلى نجاح مبادرة ABE، تستعد JICA لإطلاق برنامج “TOMONI Africa” خلال مؤتمر TICAD9. وتعني “Tomoni” باللغة اليابانية “معًا” و”أصدقاء”، في إشارة إلى روح التعلم المشترك والتعاون المتبادل. ويهدف البرنامج إلى توسيع التبادل المباشر بين الشباب الأفارقة واليابانيين، بما يُعزِّز بناء الصداقات وتطوير مشاريع مشتركة مستقبلية.

وتتجلَّى هذه الروح بالفعل على أرض الواقع؛ ففي مايو 2025م، نظَّمت JICA بالتعاون مع مدرسة سابورو كايزي الثانوية “مخيم الشباب الياباني الإفريقي”، الذي جمَع 300 طالب ياباني، و20 شابًّا إفريقيًّا لمناقشة قضايا الثقافة والتنمية والتعاون. هذه اللقاءات تُسهم في كسر الحواجز وتعزيز التفاهم والتقارب المستدام بين الجيلين الصاعدين.

العمل التطوعي والتعددية: إرث من الشراكة

منذ عام 1965م، ساهم أكثر من 16.000 متطوّع ياباني ضمن برنامج التعاون الدولي (JOCV) في جهود التنمية عبر القارة الإفريقية، في مجالات متنوّعة شملت التعليم والزراعة. وعند عودتهم إلى اليابان، غالبًا ما يحمل هؤلاء المتطوعون معهم تجارب مُلهمة تدفعهم إلى إطلاق مبادرات اجتماعية وتنشيط مجتمعاتهم المحلية.

من بين النماذج البارزة، تبرز “تسوبوي آيا”، التي أسَّست شركة SUNDA Technology عقب خدمتها التطوعية في أوغندا. وقد طوّرت نظامًا مبتكرًا لدفع المياه يعتمد على تقنيات IoT “إنترنت الأشياء”، ما يضمن توفير مياه الشرب بشكل مستدام في إفريقيا. وقد نال مشروعها اعترافًا مرموقًا ضمن قائمة Forbes Japan NEXT 100 لعام 2023م.

ويتميّز مؤتمر TICAD بطابعه التعددي؛ إذ يجمع الحكومات، والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية، مما يُشكِّل أساسًا رئيسيًّا لنجاحه المستمر. وفي هذا السياق، وقَّعت JICA عام 2022م شراكة مع أمانة AfCFTA “منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية”؛ بهدف دعم إنشاء سوق موحدة، إضافة إلى تطوير ممرات اقتصادية ونقاط عبور لتعزيز التكامل التجاري داخل القارة.

وعلى مستوى التعاون العابر للقارات، تعمل JICA على توسيع “التعاون الثلاثي” مع دول مثل مصر والبرازيل لتبادل الخبرات التنموية. وفي عام 2024م، وقَّعت JICA مذكرة تفاهم مع إندونيسيا لدعم التنمية في إفريقيا بشكل مشترك، في خطوة تؤكد تنامي دور التعاون بين بلدان الجنوب كقوة محركة للتنمية العالمية.

مستقبل مشترك قائم على الاحترام والمشاركة في الإبداع:

تقف إفريقيا اليوم على مفترق طرق حاسم. فبينما تُواجه تحديات حقيقية كالفقر والنزاعات وضعف الحوكمة، فإنها في الوقت ذاته تَزْخَر بفرص هائلة يعكسها شبابها، وإبداعها، ومرونتها. ومن منظور اليابان، لا يُعدّ الانخراط مع إفريقيا مجرّد عمل إنساني، بل هو “استثمار إستراتيجي” في مستقبل مشترك.

ومع انعقاد مؤتمر TICAD9، تتجلى رسالة واضحة: بإمكان إفريقيا واليابان أن يتعاونا في تصميم وتنفيذ حلول فعّالة للتحديات العالمية. وتُشكِّل هذه الشراكة، -التي يقودها الشباب وتستند إلى مبادئ “الأمن البشري” و”الاحترام المتبادل”-، نموذجًا واعدًا لتنمية شاملة ومستدامة؛ فالمستقبل ليس معطًى نتلقّاه، بل مشروع نبنيه معًا.