قبل الإجابة على هذا السؤال – وربما – المفاجئ للبعض للوهلة الأولى، خاصة أنه يصدر عن شخص عرف في الإعلام والسياسة في صفوف داعمي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، فإنه من الواجب الوقوف على عدد من النقاط التي يجب توضيحها، والتي تؤكد بل وتجيب على أسباب التساؤل عن دعم الرئيس وحكومته وبرنامجه الاتتخابي.
ومن الضرورة أن نشير إلى أن هذا السؤال يعتبر ثنائي الطرفين إذ قد يطرحه أحدهم عليك، وقد أضمر في حناياه نفيا ضمنيا لوجود ما قد يجعلك داعما مستميتا أو على الأقل ضمن صفوف الداعمين، كذلك فإن الطرف الثاني للتساؤل وهو أن تطرحه على نفسك ذاتيا بحيث تكون مضطرا لتبرير دعمك ولكن هذه المرة داخليا أمام ضميرك ونفسك وهو ما يجعل الإجابة عليه دافعا قويا إما لنكوصك وتوقف مسيرك، أو لتعزيز استمرارك وصدق دعمك ووفائك له مهما غابت أو وجدت مسوغات ذاتية أو فوائد خاصة بك تشجع اندفاعك الشخصي من عدمه.
إن أبرز وآكد النقاط التي تحدد أسباب طرح هذا التساؤل الذي تختصر إجابته – إن أوجزت وذلك يكاد يكون مستحيلا – هي تحليلك ووعيك بطبيعة الواقع الحالي وهو ما يحتاج إلى مجموعة كبيرة من العوامل والحقائق التي قد يعجز كثيرون عن رؤيتها وتحسسها نظرا لموقعهم أو درجة وعيهم، أو حتى صدقهم مع الذات وتراجع درجات إيمانهم بالمصالح الوطنية، فمن يرى موريتانيا اليوم بعين المتابع الواعي سيرى أنها بلد خرجت لتوها من متاهة الفساد الذي كان يدار من أعلى سلطات البلد، وظهرت إرادة جادة لتتبع مكامن الخلل والعمل على إصلاحها وعلاج المعضلات التاريخية التي عانى منها البلد، وكان الفساد وترهل العمل الإداري وضعف خدمات التعليم والصحة أبرزها.
وجراء هذه الإرادة الصادرة عن رئيس الجمهورية لما يمثله من أعلى سلطة في البلد لمحاربة الفساد وسوء التسيير تم تعزيز الرقابة ومحاسبة الضالعين في الفساد، وتم تجريد وعزل المسؤولين الذين كشف سوء تسييرهم وتلاعبهم بمقدرات وأموال الشعب، وذلك بواسطة تقوية الجهاز الرقابي الذي يعمل على التفتيش وهو المفتشية العامة للدولة التي صارت تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية في تعزيز لمكانة التفتيش والرقابة وحماية عملها من التدخل والضغط عليها من أي جهة كانت، بالإضافة إلى ذلك تم التأكيد على تقريب الخدمة العمومية من المواطن والإشراف عليها، وتيسير الولوج الإلكتروني للخدمات، بالإضافة إلى فتح الباب أمام المواطنين للتظلم وتقديم شكاياتهم أو إبلاغاتهم ليتم علاجها في أسرع وقت حفاظا على خدمة المواطنين بشكل لائق وفوري.
والنقطة الثانية وهي معرفتك بواقع البلد قبل مجيئ هذا الرئيس لسدة الحكم، والذي كانت تحكم فيه البلد سياسة استمرار للأنظمة الماضية التي قوامها تغول القبائل ورجالات الجهات وممثلي الأعراق، وهو ما أنتج محاصصة غير عادلة فتحت الباب للفساد والمحسوبية وغياب اختيار الأشخاص على أساس الكفاءة، وهو ما أدى إلى سوء التسيير الذي تحدثنا عنه في النقطة الأولى، ضف إلى ذلك رعاية هذه المحاصصة غير العادلة من لدن السلطة نظرا لانهماك قيادتها خلال عدة أنظمة سابقة متتالية باستغلال النفوذ والسلطة للإثراء وتبديد ممتلكات الشعب، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي استأثر ومقربون منه بإمكانيات البلد ومؤسساته لتحصيل ثروة من مال الشعب، لم يستطع نفي تهمها عنه خلال محاكمته رفقة عدد من الضالعين في الملف المشهور بفساد العشرية من ضمنهم صهر له.
وقد مثل هذا العهد انفراجة هامة على تطبيق العدالة الإجتماعية والمساواة، ودعم الفئات الهشة ورعاية حقوق المرأة والفتاة، وإعطاء الشباب عناية خاصة، ومنها النظر إلى الكفاءات بعين موضوعية لا تدخل فيها للقبيلة ولا الجهة أو العرق، مع إعطاء ومراعاة التوازن في إشراك جميع المكونات الوطنية، كذلك مثل ابتعاد وترفع ساكني القصر عن المال العام أحد أبرز ميزات المرحلة مقارنة بما سبقها، فلم يشع أبدأ عن اتصالات للرئيس ولا السيدة حرمه ولا أحد من أبنائه بأي مسؤول من أجل الحصول على مزايا خاصة، أو إنشاء شركات للتربح واستغلال النفوذ، كما رأينا في عهود سابقة، كما أن المحيط العائلي ظل في منآى عن التنافس على الصفقات، بل كانت قرابتهم برأس النظام عاملا غير مشجع للمشاركة في المناقصات والصفقات، - إن كانوا رواد أعمال - كذلك لم يتم تمييزهم بشكل خاص من قبل مؤسسات الدولة ومنحهم حقوق غير شرعية.
أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بواقع حقوق الإنسان، حيث اعتبرت المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية مأمورية إنصاف للمهمشين والمحرومين والمقصيين، وتم خلالها ترقية حق الإنسان في الحرية والعيش الكريم، وهو ما انعكس بشكل كبير وبارز على مختلف برامج الدولة ومشاريعها التي صممت بشكل يراعي الفئات الاجتماعية الهشة والمغبونة منذ عقود، فتم إطلاق قطاع شبه وزاري خاص لمحاربة الإقصاء والتهميش (المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء والتهميش - تآزر)، لمؤازرة المواطنين الأقل حظا ودعمهم بشكل تفضيلي وتحسين واقعهم المعيشي من مختلف الجوانب، كذلك دعم أصحاب الهمم وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال مساعدتهم وعائلاتهم للتغلب على ظروف الإعاقة، وولوجهم إلى تعليم يخولهم الإلتحاق بالحياة النشطة والكريمة، فضلا عن حماية ورعاية ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من قبيل العنف الأسري والتحرش والاغتصاب، وتأسيس مرصد وطني خصيصا لمتابعة والتوعية الإجتماعية قصد محاربة هذه الأمراض الخطيرة.
وبالنظر إلى النقاط السابقة التي يمكن أن تجملها في: محاربة الفساد والترهل الإداري؛ محاربة تغول القبيلة والمحاصصة غير العادلة؛ ترقية حقوق الإنسان والبعد الاجتماعي والإنصاف، فإنك تكون أمام نظام سياسي ركز بشكل لافت على مقومات الدولة التي تضمن استمرارها وتقوية بنائها، والاي تقابلها: الحكامة والشفافية؛ والمؤسسية وبناء دولة قانون؛ والعدل والتضامن الوطني؛ وترقية حق الإنسان؛ وتعزيز اللحمة الإجتماعية، وهي أمور كفيلة بجعل النظام يفكر بشكل واع لأسس النهضة التي بدونها لا يمكن للدول أن تقوم، أحرى أن تتقدم وتزدهر. وليست هذه النقاط وحدها هي التي تعبر عن الدوافع الرئيسية التي يمكن أن تدفع مواطنا متواضعا مثلي لدعم نظام، بل هي أهم الأمور التي إن توفرت في نظام مثلت العامل المائز لها عن جل الأنظمة السابقة.
إن تهدئة الحياة السياسية الوطنية كما عشناها خلال عهد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني كانت إحدى أهم نتائج اختيار الرئيس لقيادة البلد نظرا للحاجة الماسة للوطن، لكفاءة حكيمة قادرة على إذابة الجليد بين أطراف المشهد السياسي الذي عرف بالتجاذب طوال عشرات السنين، فكانت سياسة الباب المفتوح والتشاور الدائم أهم المكاسب المتحققة، وهو ما منح الدولة والبلد بشكل عام نفسا جديدا مؤاتيا للعمل والانطلاق نحو التنمية وتصحيح الاختلالات وبناء المؤسسات خدمة للشعب، وتأسيسا للنهضة الاقتصادية التي لا سبيل للحديث بشكل جدي عنها إلا في كنف مناخ سياسي واجتماعي هادئ يسمح بالسير بشكل مستمر وحثيث نحو بناء اقتصاد متعدد المصادر قائم على مشاركة الفعاليات الوطنية من مؤسسات مالية ورجال أعمال وقطاع خاص، وبنية اجتماعية مواكبة وداعمة للتحول.
إن بناء اقتصاد وطني حقيقي كفيل بتغيير البلد من واقع إلى واقع جديد أصبح أكثر سهولة مع الجدية الرسمية والخطوات العملية التي قام بها هذا نظام وبدايتها كانت بالعمل على تقليص حجم الدين، واستغلال الإمكانيات الوطنية الاستخراجية من معادن وطاقة لبناء حزم استثمارية كبرى، جعلت حلم الموريتانيين أقرب إلى التحقق، وهو ما مثلته الريادة الوطنية في المحافل الدولية لتسويق امكانياتها الاستثمارية الضخمة والمتنوعة للفوز بشراكات هامة إقليميا مهدت الطريق وفتحت الباب أمام المستثمرين المهتمين بما تقدمه البلاد من امتيازات ضريبية وتسهيلات فنية، وبنية قانونية مشجعة وتنافسية، فأضحت بلادنا ضمن قائمة الدول التي تبنت الالتزامات الدولية للتحول الطاقوي من خلال تقليل الانبعاثات، وإطلاق مشاريع الطاقة المتجددة، والطموح لتأسيس قطب لإنتاج الهيدروجين الأخضر الرائد في المنطقة.
ولم يكن دخول بلادنا نادي مصدري الطاقة العالمي من خلال تصدير الغاز المسال، المشترك مع الجار السنغالي، إلا تأكيدا على نجاح سياسة عقد الشراكات الاستراتيجية قصد الوصول إلى نتائج محسوبة، ومثل بداية تمهد لتطوير استغلال حقل بير الله الوطني بالكامل ذو الاحتياطات الكبيرة من الغاز، وهو ما سيجعل بلادنا في وقت قريب من متصدري منتجي الطاقة في غرب القارة الإفريقية، مما سيضمن عائدات كفيلة بخلق الرفاه والازدهار لبلادنا في المستقبل المنظور، مما يرفع الحاجة قبل ذلك إلى تنويع مصادر الميزانية الوطنية، وهو ما قامت به الدولة من خلال دعم القطاع الخاص ودعم الاقتصاد التشاركي، وإطلاق نهضة زراعية كبيرة، نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المزروعات، ناهيك عن دعم وترقية التنمية الحيوانية والصناعات المرتبطة بها، وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وتمويل المشاريع المدرة للدخل في مختلف مناطق البلاد.
إن التعليم بمختلف مراحله شكل الشغل الشاغل لبرامج الحكومة سواء في المأمورية الفارطة أو خلال هذا العام الأول من المأمورية الثانية فلم يكن تشييد المدارس والمؤسسات التعليمية الواسع الذي شهدته الخريطة التعليمية لوحده البارز والذي حول مختلف القرى والمدن في العاصمة والداخل إلى ورشة مفتوحة للبناء، بل كانت مراجعة الإطار القانوني والمناهج التربوية وتشجيع الأطر التعليمية والتي مثلتها رؤية المدرسة الجمهورية التي تقدم بها فخامة رئيس الجمهورية لخلق تعليم نوعي ومتساو لأبناء مختلف الفئات الاجتماعية القفزة النوعية لتخريج أجيال مشبعة بقيم المعرفة وحب الوطن وأخلاق الإنسان الموريتاني المجبول على التعايش والعطاء الإنساني، فتم تحويل التعليم الأساسي إلى المدارس النظامية تطبيقا لذلك، كذلك عرفت امتيازات المدرسين والمعلمين تطورات كبيرا تجاوز الضعف، مما أسهم في خلق ظروف ملائمة للقيام بدورهم التربوي والتعليمي الهام.
لقد مثلت الاكتتابات في صفوف الموظفين من مختلف التخصصات العامة خلال ما سبق من عهد رئيس الجمهورية الغزواني أكبر اكتتابات في تاريخ البلد منذ استقلاله وكان للمدرسين والأستاذة نصيب الأسد إذ جاوبت الاكتتابات الآلاف تلو الآلاف، كما أن إنشاء المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها من الأساسي وحتى الجامعية، والمهنية والفنية شكل بارقة أمل لنهضة معرفية هامة، تقرب الهدف لتحقيق اقتصاد معرفي قائم على رأس المال البشري وتنويع التخصصات لا سيما التكنولوجية والهندسية، خصوصا منها ما نحتاجه لتطوير نشاطنا وإنتاجنا من المعادن والطاقة سبيلا للتحول الطاقوي والاعتماد على الطاقات المتجددة.
إن نظاما تميز بالحكمة والهدوء والأناة بحزم وصرامة وشجاعة فخامة رئيس الجمهورية وذلك من أجل تغيير شامل وفرض النهضة الاقتصادية والنمو المطرد، لا شك أنه سيسعى للحفاظ على مكتسبات الجمهورية وسط محيط إقليمي ودولي هائج تعصف به الحروب والأزمات، خصوصا منطقتنا الإفريقية من ناحية الساحل والصحراء، وهو ما شكل دافعا للعب بلادنا دورا هاما في العمل على استتباب الأمن ومحاربة التطرف والجريمة العابرة للحدود والتهريب، وذلك وفق استراتيجية تقوية وتحديث العتاد وتعزيز قدرات القوات المسلحة وقوات الأمن، كل ذلك جنبا إلى جنب مع خلق شراكات هامة في مجالات الدفاع مع مختلف القوى الدولية والإقليمية، فضلا عن التنسيق المستمر مع الدول الجارة والصديقة لمحاربة التطرف والجريمة والاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين.
لقد استطاعت بلادنا التأكيد على دورها المحوري كشريك دولي موثوق في تعزيز الأمن القاري والدولي، وهو ما اعترفت به جهات دولية ودول كبرى، ثمنت إنجازات بلادنا في خلق جو ينعم بالاستقرار والفرص في محيط يعاني من الغليان، وكان لها الدور البارز في الوساطة الدولية لفض النزاعات وحفظ السلام في عدة بؤر للتوتر لا سيما في مناطق بإفريقيا التي عانت من الحروب الأهلية وشبح الفوضى العارمة.
إن كل ذلك لم يتأتى لولى فضل الله وجهود القيادة السياسية الحكيمة، ونجاحها الدبلوماسي الذي مكننا من لعب دور استراتيجي نظرا لأن بلادنا تميزت بكونها الدولة الأطلسية الفاعلة في مختلف مجالات التعاون والشراكة في الجهد الدولي والمساهمة بجدية في تحقيق أجندات التنمية الأممية، والسير لحماية المناخ والبيئة، والتزاماتها لتوطيد الأمن وتحقيق السلام العالمي، وهو ما جعل بلادنا تفوز بثقة التكتلات الاقتصادية والأمنية الدولية بوصفها حليفا استراتيجيا رئيسيا في غرب إفريقيا عن جدارة واستحقاق.
لهذا مجتمعا ندعم بكل ثقة وفخر فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني باعتباره أحد أبرز قادة البلد الذين وصلوا للحكم بإرادة الشعب وثقة المواطنين الذين رأوا فيه المخلص من عقود التيه والضياع، وهو الذي استطاع إعادة البلد إلى السكة وخلق دينامية جديدة للبناء والعصرنة وإصلاح الاختلالات وتعزيز ثقة المواطن بالدولة لأول مرة منذ استقلال البلاد في نوفمبر 1960، حيث أصبحت مصلحة المواطن العادي على رأس أولويات أجهزة الدولة.
ندعم غزواني لأنه أتاح الفرصة لأبناء المهمشين والطبقات المحرومة من الشعور بالانتماء لوطن يهتم بهم، كذلك منح الأسبقية للشباب لوضع التصور والمشاركة في التنفيذ لأول مرة في بلد كانت تسيطر عليه النخب بالتوارث منذ الاستقلال، فأصبح الشباب فاعلا حقيقيا في السلطة التشريعية (البرلمان) وفي السلطة التنفيذية في جهاز الدولة والحكومة، وهو ما نطمح للمزيد منه لخلق توازن وتجديد دماء العاملين خدمة للوطن وفق الرؤية الذي طرحها فخامة رئيس الجمهورية لمنح الفرصة للجميع لخدمة بلدهم من مختلف المواقع، ومختلف التجارب والمشارب والرؤى والتصورات.