كيف أدار غزواني فوز موريتانيا التاريخي/ عبد الله سيداتي

في سياق الاستعدادات لتولي رئاسة الاتحاد الإفريقي تلقى الرئيس غزواني العديد من الأوراق والمقترحات حول أوجه استفادة موريتانيا من تلك الرئاسة، التي أريد لها أن تكرس مكانة البلاد في القارة، وتعزز حضورها ودورها في توجيه بوصلة العمل المشترك وتعزيز التكامل. وقد اقتطع الرئيس جزء معتبرا من وقته للاطلاع على جميع المقترحات التي وصلته من جهات مختلفة.  

وقبيل استلام مهامه في رئاسة الاتحاد الإفريقي أسر غزواني لأحد معاونيه بالقول إنه، خلافا لما اطّلع عليه من مقترحات، لا يرى أن بالإمكان تحقيق مصالحات استثنائية أو تسوية مشاكل معقدة خلال فترة لا تتجاوز العام في رئاسة هيئة قارية تضم عشرات البلدان التي تضج بالصراعات وتعاني من خلافات يتجاوز كثير منها عمر الاتحاد نفسه؛ ومن ثم فإنه سيركز جهده على هدفين أولهما يهم جميع بلدان القارة والثاني يخص موريتانيا.

لم يترك غزواني معاونه في حيرة من الأمر، بل أوضح أنه بالنسبة للهدف العام، سيهتم أساسا بإرساء أسس سياسات تنموية متكاملة وبناء شراكات اقتصادية طموحة من شأنها أن تضع القارة على سكة المستقبل، ولن ينشغل بالقضايا السياسية المختلف حولها عن الرهانات التنموية المتفق عليها. وبالنسبة للهدف الخاص بموريتانيا، سيعمل على إعادة بناء سمعة ومكانة موريتانيا واستعادتها للصدارة في الشأن الأفريقي بعد عقود من إدارة البلاد ظهرها لعمقها الاستراتيجي الإفريقي، بمعنى أن يكون البلد فاعلا مؤثرا في المحافل والهيئات القارية وحليفا يحسب له حسابه، لا بلدا مغيبا أو داعما هامشيا محسوبا على هذا الحلف أو ذلك.

ما لم يعرفه معاون الرئيس خلال تلك الجلسة التي جرت قبل أزيد من سنة، وبالطبع لم يقله غزواني الكتوم بطبعه، هو أنه ربما في تلك اللحظة كان قد قرر ترشيح أحد أطر موريتانيا لمنصب رئيس البنك الإفريقي للتنمية. لكن كثيرين يعرفون الآن ما قاله غزواني خلال آخر لقاءاته بطاقم حملة المرشح سيدي ولد التاه، فقد قال بالحرف: "كان يسعنا ألا نترشح كما هو الحال دائما ولن يكون في الأمر خطأ ولا تقصير، فهذا المنصب أكبر من البلد ورأس مال هذه المؤسسة يفوق جميع ميزانيتنا السنوية منذ الاستقلال، لكنني قررت أن نترشح وأن نفوز، ولأن الترشح في حد ذاته ليس هدفا عندي فلابد من بذل الجهد لتحقيق هدف الفوز". ولا شك أن غزواني، بحصافته المعهودة، لم يعقد هذا الاجتماع ولم يشكل فريق الحملة أصلا إلا بعد أن تحصلت لديه القناعة بالفوز بعد أن عمل، بهدوء وبعيدا عن الأضواء كعادته، على مسارات متوازية خلال فترة قيادته للاتحاد الإفريقي. 

بطبيعة الحال كان من المهم اختيار المرشح الوطني، حيث طرحت في البداية عدة أسماء تم انتقاء اثنين منها اعتمادا على اعتبارات الكفاءة والتجربة وحظوظ النجاح، هما سيدي ولد التاه وكان عصمان؛ فكلا الرجلين لديه خبرات مؤكدة في المجال المالي على المستويين الوطني والإقليمي، كما أن لديهما علاقات مؤثرة في الدوائر المالية على مستوى القارة ومع الشركاء الدوليين. وفي النهاية وقع الاختيار على الدكتور سيدي ولد التاه بالاعتماد على عنصر ترجيح أساسي هو تجربته خلال السنوات الأخيرة في إدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا وما تمنحه هذه التجربة من خبرة وعلاقات إضافية ومحدثة.

بموازاة ذلك شرع غزواني، بأناة وعزيمة، في حشد الدعم لمرشح موريتانيا دون ذكر الاسم. وكان الرئيسان واتارا وماكرون أول الموافقين والداعمين. وبحكم حياده الإيجابي في الصراعات الإقليمية وشبه الإقليمية، وبفعل دبلوماسية تصفير الأعداء التي انتهجها منذ وصوله سدة الحكم، والتي من مظاهرها أنه الرئيس الموريتاني الوحيد الذي لم يقطع علاقة موريتانيا مع أي بلد في العالم، توالى الدعم من مختلف أرجاء القارة ومن شركائها المساهمين في المؤسسة. وهكذا حقق غزواني للبلاد فوزا مذهلا من أكثر من وجه.

-  هي المرة الأولى خلال عمر الدولة وتعاقب رؤسائها العشرة التي تفوز فيها البلاد بمنصب. بهذه المكانة والأهمية.  
- لم يسبق أن حسم مرشح التنافس على قيادة هذه المؤسسة بالأغلبية في جولة انتخابية أمام اكثر من منافس. 
-  كسرت موريتانيا عبر هذه المنافسة قواعد الاستقطاب والتحالفات التقليدية داخل القارة، فانتزعت في نفس الوقت تصويت الجزائر من حليفتها جنوب إفريقيا وتصويت المغرب من السنغال رديف المغرب في المحافل والمواقف وحليفه الأقرب عبر التاريخ .   
- استقطبت موريتانيا تصويت دول عظمى، بعضها عن قناعة من البداية مثل فرنسا وإسبانيا وإيطالبا  ونيجيريا، وبعضها اضطرارا وواقعية بعد سقوط المرشح الذي راهنت على فوزه كما هو حال الولايات المتحدة واليابان.
- ⁠صوتت لمرشح موريتانيا دول الساحل الثلاثة مالي وبركينا والنبجر وجمعهم هذا التصويت مع ساحل العاج رغم خلافاتهم معها في كل شيء. 
- ⁠برهنت جهود غزواني أن موريتانيا استثناء في بلدان المغرب العربي في الوحيدة التي يجمع عليها البلدان الخمسة فقد صوتت جميعها لمرشح موريتانيا وقبل ذلك اجمعت نفس البلدان على ترشيح غزواني نفيه لقيادة الاتحاد الأفريقي وهذا الإجماع المغاربي مكسب دبلوماسي موريتاني خالص  

كل هذه الإنجازات تحققت بدبلوماسية هادئة، دون ضجيج ولا حملات في التلفزيون ولا سهرات في الشوارع، بل بجهود رئيس يتحلى بالبصيرة والصبر، بحسن التقدير وصدق العزيمة، تساعده نخبة من أطر موريتانيا اختارها بعناية وكلفها بهذه المهمة عن دراية بقدراتها واستعدادها، فشكلت فريقا متماسكا ومتكاملا من أعراق مختلفة وتخصصات متنوعة، عمل بتفان وتناغم، وعزيمة وانسجام، حتى تحقق الفوز الذي أسعد شعبا تابع المسار باهتمام وهلل للنجاح بحفاوة وامتنان.  

بقيت ملاحظة لفتت انتباهي، ففي حين كان غزواني يصل الليل بالنهار من أجل تحقيق فوز ولد التاه ويقطع زياراته ويلغي نشاطاته من أجل مواكبة الحملة، على نحو ما فعل يوم التصويت الحاسم حين تفرغ تماما لإدارة اتصالات اللحظات الأخيرة وهي الاتصالات التي صنعت الفوز، كان رئيس سابق يلفق التهم، من داخل قفص الاتهام، ويثير الشبهات ويشكك في كفاءة ونزاهة مرشح موريتانيا سعيا للإضرار به والتشويش على فرص البلاد للفوز بالمنصب.